الوسيلةُ السَّادسةُ والثلاثون :
فكرةُ المراكزِ الصيفيَّةِ للصِّغارِ فكرةٌ جديدةٌ جميلةٌ نشكرُ القائمين عليها ونتمنَّى أن نرى تطويراً لها واهتماماً ببرامجِها لحفظِ أولادِ المسلمين .
ولعلَّنا نستفيدُ مِمَّا يفعلُه النَّصارى وللأسفِ من تبنِّي الصِّغار والتَّركيزِ عليهم والاهتمامِ بالموهوبين والمتفوِّقين منهم ، ولو أنَّ مدراءَ المدارسِ والمدرِّسين حرصُوا على متابعةِ المتفوِّقين والتَّركيزِ عليهم لنفعَ الله بهم في المستقبَلِ نفعاً عظيماً.
الوسيلةُ السَّابعةُ والثَّلاثون :
احرص أيُّها الأبُ على أخذِ أولادِك معك للمجالسِ النَّافعةِ كالدُّروسِ والمحاضرَاتِ ، واجعَل عيونَهم تكتحِلُ برؤيةِ الصَّالحين والمشائخِ ، فإنَّهُم يفخرُون بذلك أمامَ أقرانِهم ويتمنُّون الوصُولَ لمكانتِهم ، وعوِّدهُم على مجالسِ الرِّجالِ والتأدُّبِ فيها .
واحرص على إلحاقِهم بمدارسِ تحفيظِ القُرآنِ في المساجدِ مع المتابعةِ والحرصِ ، وإذا أردتَ أيُّها الأبُ ويا أيَّتُها الأمُّ أن تريَا مقدارَ الرِّبحِ لهذه الحلقاتِ فانظُر لحفظِ أبناءِ فلانٍ وبناتِ فلانة ، فأعمارُهم الآنَ في الثَّامنةِ والعاشرةِ ويحفظُون من القرآنِ عشرين جزءاً تزيدُ أو تقلُّ وأبناؤك ما زالُوا على أوضاعِهم .
إنَّه أعظمُ كسبٍ يفوزُ به الوالدان في الدُّنيا والآخرةِ ،ونحن نسمعُ ونقرأُ في كُتُبِ السِّيَرِ والتَّراجمِ أنَّ كثيراً من العُلماءِ الأفذاذِ حفظُوا القرآنَ قبلَ العاشرةِ وذلك يعني شيئاً ، وهو أنَّ حفظَ القرآنِ هو الرَّكيزةُ والقاعدةُ التي انطلقَ منها هؤلاء العلماء وغيرُهم .
فاحرصا أيُّها الأبوان فليس بعيداً إن شاءَ الله تعالى أن يكونَ ابنُكما عالماً من علماءِ هذه الأمَّةِ ولن يكونَ ذلك إلا بالصَّبرِ والمتابعَةِ .
الوسيلةُ الثَّامنةُ والثلاثون :
عوِّد الصِّغارَ على البذلِ والعطاءِ وحبِّ الضُّعفاءِ والمساكين ، وأخبره أيها الأب وأخبريه أيَّتُها الأمُّ أنَّ له إخواناً من المسلمين لا يجدُون ما يأكلُون ولا ما يلبسُون .
أعطه بعضَ الرِّيالاتِ وشجِّعه على التبرُّعِ والتصدُّقِ ببعضِها ليتعوَّدَ البذلَ في الكِبَرِ ويأخذَ عليه .
أشرِكه في الإنفاقِ على بعضِ مشترياتِ البيتِ البسيطةِ وبعضِ حاجيَّاتِه وليدفَع هو من حصَّالته الخاصَّةِ على شراءِ كيسِ الرَّغيفِ للبيتِ مثلاً .
قُصَّ عليه قصَّةَ ذلك الصَّغيرِ الذي تبرَّعَ ببعضِ ألعابِه لأولادِ جيرانِه المحتاجين ، فإنَّ هذه الوسائلَ تحرِّرُه من البُخلِ وحُبِّ جمعِ المالِ ، وتعوِّدُه حبَّ الفُقَراءِ والمساكين والبذلَ والعطاءَ .
الوسيلةُ التَّاسعةُ والثَّلاثون :
لنحذَر من كثرةِ تخويفِ الصَّغيرِ مِمَّا حولَه من الأشياءِ والأشخاصِ ، فإنَّ كثرةَ مخاوفِه تدلُّ على جبنِه وهَلَعِه ، وذلك أن نُجَنِّبَه قدرَ الإمكانِ مِمَّا يؤذيه ويخيفُه كالتَّخويفِ بالحراميِّ مثلاً أو البعبعِ كما أسلفتُ أو بخروجِ الدَّمِ من الجُرحِ ، كما تفعلُ بعضُ الأمَّهاتِ بقولِها : انظُر دَمَ فلان خرجَ .. على سبيلِ التَّخويفِ للصَّغير ، أو من تخويفِه ببعضِ القصصِ المرعبةِ حولَ الشَّياطينِ والجنِّ ، فإنَّ هذه الأمورَ تزرعُ في نفسِ الطِّفلِ الرُّعبَ والفَزَعَ وينشأُ خوَّافاً رعديداً كما نرى في بعضِ الصِّغارِ .
الوسيلةُ الأربعون :
اعلم أيُّها الأبُ وأنتِ أيَّتُها الأمُّ أنَّ الصَّغيرَ لا يُدرِكُ الكذبَ إلا بعدَ الخامسةِ من العُمرِ ، أمَّا قبلَ هذا فإنَّ خيالَه واسعٌ فيكونُ كذبُه في هذه الفترةِ غيرَ مقصودٍ ولا متعمَّدٍ ، وهو بحاجةٍ للتَّوضيحِ والتَّوجيهِ في هذه المرحلةِ بدلاً من عقابهِ وزجرِه كما يفعلُ بعضُ الآباءِ ظنَّاً منَّه أنَّه تعمَّدَ الكذبَ عليه .
واعلما أيضاً أنَّ الكذبَ خُلُقٌ يكتسبُهُ الصَّغيرُ من بيئتِه ، فالوالدُ الذي لا يفي بوعودِه لأولادِه يزرعُ الكذبَ فيهم بدونِ أن يشعرَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ ؟" قَالَتْ : أُعْطِيهِ تَمْرًا ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا ، كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَة ٌ " [15] وفي المسند عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:" مَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ تَعَالَ هَاكَ ثُمَّ لَمْ يُعْطِهِ فَهِيَ كَذْبَةٌ " [16] .
والأبُ الذي يُمثِّلُ أنَّه يضربُ ولدَه لأنَّه ضربَ أخاه الصَّغيرَ وهو في الحقيقةِ لا يضربُه ، يزرعُ الكذبَ في نفسِ ولديه الضَّاربِ والمضروبِ وهو لا يشعرُ .
من الأسبابِ التي تدفعُ الصَّغيرَ للكذبِ : تقليد والديه ، وقد يكذبُ الطِّفلُ حتَّى يتجنَّبَ العقابَ الشَّديدَ ، أو لنيلِ شيءٍ يريدُه ، وغيرِها من الأسبابِ ، فحاول دائماً أن تبحثَ عن السَّبَبِ ، لماذا لجأ الصَّغيرُ إلى الكذبِ ، حتَّى تصلَ للعلاجِ المناسبِ والصَّحيحِ مع استخدامِ أسلوبِ التَّرغيبِ واللِّينِ والرِّفقِ والتَّشجيعِ ، فلا يتأصَّلُ عندَه هذا الخُلُقُ الذَّميمُ .
هذه أربعون وسيلة وتوجيها لتربيةِ الصِّغارِ ، فأقولُ : أيُّها الوالدان ، إنَّ أجرَكما عندَ الله عظيمٌ إن حرصتُما على القيامِ بالواجبِ عليكما تجاهَ أولادِكما ، فلا بُدَّ من الصَّبرِ وعدمِ المللِ في متابعةِ الصِّغارِ وتربيتِهم واحتسابِ الأجرِ والثَّوابِ من الله .
وثقا أنَّ كلَّ شيءٍ بالتَّدريبِ والمتابعةِ والمجاهدةِ ممكنٌ ، وهذا ما أكَّدَه الغزاليُّ بقولِه : ولو كانت الأخلاقُ لا تقبَلُ التغييرَ لبطلَت الوصايا والمواعظُ والتَّأديباتُ ، ولما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " حسِّنُوا أخلاقَكم " وكيف يُنكَرُ هذا في حقِّ الآدميِّ وتغييرُ خُلُقِ البهيمةِ ممكنٌ ، إذ يُنقَلُ البازيُّ - أي : الصَّقرُ - من الاستيحاشِ إلى الأُنس ، والكلبُ من شرهِ الأكلِ إلى التَّأديبِ والإمساكِ والتَّخليةِ ، والفرَسُ من الجماحِ إلى السلاسَةِ والانقيادِ ،وكلُّ ذلك تغييرٌ للأخلاقِ ، فإذا كان هذا ممكناً في حقِّ الحيوانِ الأعجمِ ففي حقِّ الولدِ الذي هو أعقلُ وأقدَرُ على الفهمِ من البهيمةِ أولى .
لذلك أقولُ : علينا أن نحرصَ وأن نصبرَ على تربيةِ أولادِنا ونحتسبَ الأجرَ عندَ الله عز وجل ولن يكونَ ذلك إلاَّ بالتَّدريبِ والمتابعةِ .
وأهدي هذه الكلماتِ وهذه التَّوجيهاتِ إلى الآباءِ والأمَّهاتِ معطَّرَةً بالحبِّ والتَّقديرِ والدُّعاءِ بالتَّوفيقِ لكُلِّ أبوين حريصين على تربيةِ أولادِهما وصلاحِهم ، وغفرَ الله لمن تجاوزَ عن الزلاَّت والهنَّاتِ والتمسَ لي العُذرَ في النَّقصِ والتَّقصيرِ .
اللهُمَّ أصلِح أولادَ المسلمين وبناتِهم ، اللهُمَّ اجعَلهُم قرَّةَ أعينٍ لآبائهم وأمَّهاتِهم ، ربَّنا هَب لنا من أزواجِنا وذريَّاتِنا قرَّةَ أعيُنٍ واجعَلنا للمتَّقين إماماً ، ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حسَنَةً وفي الآخرةِ حَسَنَةً وقِنا عذابَ النَّارِ ، اللهُمَّ أصلِح أبناءَ المسلمين والمسلمات ، اللهُمَّ نسألُك الذريَّةَ الصَّالحةَ التي تكونُ عِزَّاً للإسلامِ والمسلمين .
اللهُمَّ أصلِح أبناءَ المسلمين وحبِّب إليهم الإيمانَ وزيِّنه في قلوبِهم وكرِّه إليهم الكُفرَ والفُسوقَ والعصيانَ واجعلهُم من الرَّاشدين .
سبحانك اللهُمَّ وبحمدِك نشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا أنت نستغفرُك ونتوبُ إليك .
وصلَّى الله وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه وسلَّمَ تسليماً كثيراً .